کد مطلب:280436 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:176

الاخبار بالغیب عن الله
من لطف الله تعالی بعباده. أنه تعالی أخبر علی لسان الأنبیاء والرسل بالغیب، فأخبر بما ینتظر الإنسان فی الیوم الآخر حیث أهوال القیامة ولهیب النار ونعیم الجنة، وأخبر ببرنامج الشیطان وإلقاءاته علی امتداد الدنیا، وأخبر بمضلات الفتن مقدماتها ونتائجها، وأخبر بالأمور العظیمة التی ما زالت فی بطن النیب، والإخبار بالغیب حجة بذاته، وبه یمتحن الله تعالی عباده، قال تعالی: (لیعلم الله من یخافه بالغیب) [1] وقال: (ولیعلم الله من ینصره ورسله بالغیب). [2] .

وأی حدث منذ ذرأ ذریة آدم لا بد أن تكون له مقدمة یترتب علیها نتیجة، والناس عند صنعهم لمقدمة الحدث كبیرا كان أو صغیرا.

یعلمون جانب الحلال فیه وجانب الحرام. بما أودعه الله فی الفطرة.

ولأن الله تعالی وهو العلیم المطلق سبحانه. یعلم مصیر هذه المقدمة وما یترتب علیها من نتائج ما زالت فی بطن الغیب، یخبر سبحانه علی



[ صفحه 280]



لسان الأنبیاء والرسل بما یستقبل الناس من نتائج، لكی یأخذ الناس بأسباب لهدی ویتجنبوا أسباب الضلال، فإذا ظهرت الأحداث بعد أن كانت غیبا یسقط فی جانب باطلها كل إنسان لم یأخذ بأسباب الهدی.

وكل إنسان لم یتدبر فی حركة الأحداث من الماضی إلی الحاضر إلی المستقبل، باختصار: من أخذ بأسباب الدجال سقط فی سلته ثم سقط فی نار جهنم یوم القیامة، ومن أخذ بأسباب الهدی شرب من حوض النبی (ص) یوم القیامة.

إن الله تعالی یمتحن الناس بأخذهم الأسباب، والناس تحت مظلة الامتحان والابتلاء یتمتعون بحریة الأخذ بالأسباب، وكل مسیرة علی امتداد الزمان یتخللها ماضی وحاضر ومستقبل، والماضی یحمل دائما فی أحشائه الزاد. ومهمة الحاضر أن ینضب فی هذا الزاد لیؤخذ منه أسباب الهدی وینطلق بها إلی المستقبل، فمن أدركه الموت وهو علی سبب الهدی، بعثه الله علی نفس السبب، وكل إنسان مهاجر إلی ما هاجر إلیه، وأحادیث إخبار الرسول بالغیب تحت أضوائها تظهر المسیرة، ویظهر ما فی بطونها من زاد الماضی، وإذا وقف الحاضر أمام هذا الزاد ثم رجع القهقری بتحلیل الحوادث التاریخیة، یصل إلی المقدمة فی الماضی البعید، فإذا أمعن النظر فیها وجد أنها تحتوی علی أصول القضایا وأعراقها التی یراها فی حاضره. فكما تكون المقدمة تكون النتیجة والدعوة الإلهیة الخاتمة أمرت باتقاء الفتن وهذا لا یأتی إلا بالبحث فی أصول القضایا، قال تعالی: (یا أیها الذین آمنوا استجیبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما یحییكم واعلموا أن الله یحول بین المرء وقلبه وأنه إلیه تحشرون واتقوا فتنة لا تصیبن الذین ظلموا منكم خاصة)، [3] والنبی (ص) بین أن الحاضر إذا رضی بانحراف فی الماضی. شارك



[ صفحه 281]



بالمشاهدة وإن لم یحضر، قال (ص) إذا عملت الخطیئة فی الأرض. كان من شهدها فكرهها كمن غاب عنها. ومن غاب عنها فرضیها كان كمن شهدها. [4] .

والنبی (ص) بین لأمته المقدمات والنتائج حتی قیام الساعة، حتی یكونوا علی بینة من أمرهم ویأخذوا بأسباب الأهداف التی لله فیها رضا، فعن أبی زید قال صلی بنا رسول الله (ص) الفجر، وصعد المنبر فخطبنا حتی حضرت الظهر فنزل فصلی، ثم صعد المنبر فخطبنا حتی حضرت العصر، ثم نزل فصلی، ثم صعد المنبر فخطبنا حتی غربت الشمس، فأخبرنا بما كان وبما هو كائن، فأعلمنا أحفظنا، [5] وعن أنس قال قال رسول الله (ص): من أحب أن یسأل عن شئ فلیسأل عنه، فوالله لا تسألونی عن شئ إلا أخبرتكم به ما دمت فی مقامی هذا، [6] وعن حذیفة قال والله إنی لأعلم الناس بكل فتنة هی كائنة فیما بینی وبین الساعة، كان رسول الله (ص) یحدث مجلسا أنا فیه عن الفتن، فقال (ص) وهو یعد الفتن: منهن ثلاث لا یكدن یذرن شیئا، ومنهن فتن كریاح الصیف منها صغار ومنها كبار، قال حذیفة: فذهب أولئك الرهط كلهم غیری، [7] وعن حذیفة أنه قال ما من ثلاثمائة تخرج إلا ولو شئت سمیت سائقها وناعقها إلی یوم القیامة، [8] وقال حذیفة والله ما أدری أنسی أصحابی أم تناسوا، والله ما ترك رسول الله (ص) من قائد فتنة إلی أن تنقضی الدنیا. یبلغ معه ثلاثمائة فصاعدا، إلا قد سماه باسمه واسم



[ صفحه 282]



أبیه واسم قبیلته. [9] .

لقد أقام النبی (ص) الحجة عند المقدمة وهو یخبر بالغیب عن ربه، وعندما انطلقت المسیرة بعد وفاة النبی (ص) تحت سقف الامتحان والابتلاء، تخلو المسیرة من الفتن، بدلیل أن حذیفة الذی یعرف الفتن وقادتها قال بعد وفاة النبی (ص) بأقل من ثلاثین عاما: إنما كان النفاق علی عهد النبی (ص)، فأما الیوم فإنما هو الكفر بعد الإیمان، [10] وقال إن المنافقین الیوم شر منهم علی عهد النبی (ص)، كانوا یومئذ یسرون والیوم یجهرون [11] وقال إن كان الرجل یتكلم بالكلمة علی عهد رسول الله (ص) فیصیر منافقا، وإنی لأسمعها من أحدكم فی المقعد الواحد أربع مرات. [12] .

والطریق من توضیح النبی للفتن وهی فی بطن الغیب إلی ظهور الفتن فی عالم المشاهدة، طریق یخضع للبحث. بهدف اتقاء الفتن المهلكة وحصار وقودها فی دائرة الذین ظلموا خاصة، وعدم البحث فی هذا الطریق. یفتح أبوابا عدیدة، منها مشاركة الذین ظلموا إذا رضی عن فعلهم، لأن الراضی بفعل قوم كالداخل فیهم، وفی الحدیث یقول النبی (ص) المرء مع من أحب، [13] وكما أن عدم البحث یلقی بالحاضر علی الماضی، فكذلك یلقی به علی ما یستقبله من فتن مهلكة، عن حذیفة أنه قال تعرض الفتن علی القلوب، فأی قلب أنكرها نكتت فی قلبه نكتة بیضاء، وأی قلب لم ینكرها نكتت فی قلبه نكتة سوداء، حتی یصیر القلب أبیض مثل الصفا. لا تضره فتنة ما



[ صفحه 283]



دامت السماوات والأرض، والآخر أسودا مربدا كالكوز مجخیا لا یعرف معروفا ولا ینكر منكرا. إلا ما أشرب فی هواه. [14] وما زالت فی بطن الغیب أحداث وأحداث، لا ینجو منها العالم إلا بعلمه، وفی بطن الغیب أحداث إذا جاءت لا ینفع نفسا إیمانها یومئذ، لأنها لم تبحث علی امتداد الطریق، فأنتج ذلك عدم معرفة الحق علی امتداد الطریق، ولما كان الحق عند هذه النفس یخضع لتحدید الأهواء، تسقط النفس فی سلة الدجال التی تحتوی علی جمیع الأهواء، وما یستقبل الناس من آیات كبری جاء فی قوله تعالی: (یوم یأتی بعض آیات ربك لا ینفع نفسا إیمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت فی إیمانها خیرا. قل انتظروا إنا منتظرون). [15] فالآیة الكریمة بینت أن هناك آیات لا ینفع عند ظهورها إیمان، ومن لم یكن مصلحا یومئذ وأعلن توبته لم تقبل منه توبته، كما أن الله لا یقبل عملا صالحا من صاحبه إذا لم یكن عاملا به قبل ذلك، ومن هذه الآیات: الدخان. والدابة. وخروج یأجوج ومأجوج. ونزول عیسی بن مریم. وخروج الدجال. وطلوع الشمس من مغربها. [16] .

وبالجملة: أخبر النبی (ص) بالغیب عن ربه جل وعلا، لیأخذ الناس بأسباب الهدایة نحو ما یستقبلهم من أحداث ما زالت فی بطن الغیب، والأخذ بالأسباب من الوسائل التی یمتحن الله تعالی بها عباده، وإخبار الرسول بالغیب هو فی حقیقته دعوة للإیمان بالله، لأنه یأمر بالاستقامة، ویبین أن عدم الاستقامة یؤدی إلی كفران النعمة. ویفتح الطریق أمام الفتن، وكفران النعمة عقوبته سلب نعمة الهدایة وعلیها یأتی الهلاك، وطریق الفتن یلقی بأتباعه تحت أعلام الدجال، قال النبی (ص) ما صنعت



[ صفحه 284]



فتنة منذ كانت الدنیا صغیرة أو كبیرة إلا لفتنة الدجال. [17] .


[1] سورة المائدة آية 94.

[2] سورة الحديد آية 25.

[3] سورة الأنفال آية 24.

[4] رواه أبو داوود رقم 4345.

[5] رواه مسلم (الصحيح 16 / 18) وأحمد (الفتح الرباني 272 / 21).

[6] رواه أحمد والبخاري ومسلم (كنز العمال 421 / 11).

[7] مسلم (الصحيح 18 / 15).

[8] رواه نعيم وسنده صحيح (كنز العمال 271 / 11).

[9] رواه أبو داوود حديث رقم 4222.

[10] رواه البخاري (الصحيح 230 / 4).

[11] رواه البخاري (الصحيح 230 / 4).

[12] رواه أحمد وإسناده جيد (الفتح الرباني 173 / 19).

[13] رواه البخاري (الصحيح 77 / 4).

[14] رواه الإمام أحمد والحاكم وصححه (كنز العمال 119 / 11).

[15] سورة الأنعام آية 158.

[16] أنظر: تفسير ابن كثير 195 / 2.

[17] رواه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح (الزوائد 335 / 7).